قصة الدار المربوطة بقلم سلمى

 الدار المربوطة بقلم سلمى 


قصة الدار المربوطة بقلم سلمى


قصة الدار المربوطة بقلم سلمى 

في عز البرد، والضباب مغطي الشوارع، سواقين التوك توك في كفر الدوار بيهربوا من شارع الدوار القديم، بيقولوا إن كل اللي بيعدي من هناك بعد نص الليل، لازم يسمع صريخ جاي من بيت مهجور. بيت الست محاسن.

الناس من زمان وهي بتخاف تدخل الشارع ده، خصوصًا بعد ما مات شاب من القرية هناك، وقالوا إنهم لقوه ميت ووشه متغطي تراب وعينه مفتوحة على آخرها كأنه شاف حاجة مرعبة قبل ما يموت.

البيت ده كان بتاع واحدة اسمها محاسن، ست عايشة لوحدها، مش بتتكلم مع حد، وكل اللي بيشوفها يحلف إنها بتكلم نفسها، أو حد مش باين.

الست دي اختفت في يوم من الأيام، والبيت بقى مهجور، لكن الرعب الحقيقي ما بدأش غير بعدها بسنة، لما واحد من عيال الشارع حب يثبت نفسه، وقال لصحابه:
أنا هدخل البيت ده بالليل، وهصور كل حاجة.

دخل، بس عمره ما خرج.

من وقتها، كل كام شهر حد يختفي، وآخرهم كانت بنت اسمها رحاب، اختفت وهي راجعة من درسها، وكل اللي سمعوه وقتها، صرخة عالية. وبعدها سكون.

الشرطة فتشت، لكن البيت فاضي، ولا فيه أثر لأي حد.
بس الناس اللي ساكنة قريب بيقسموا إن في ست بتظهر ورا الشباك كل ليلة، لابسة إسدال أسود، وشعرها مفكوك، وعيونها زي الفحم، وساكتة.
بس لو حد قرب، بتبدأ تضحك بصوت يخلي العظم يقشعر.

رحاب كانت البنت الوحيدة لأمها، وكانت شاطرة في دراستها، دايمًا بترجع من الدرس بدري.
بس الليلة دي، رجعت متأخر، والدنيا كانت ضباب، والشارع هادي لدرجة تسمع صوت أنفاسك.

كانت ماشية بسرعة، وبتحاول تتجاهل البيت المهجور، لحد ما سمعت صوت خطوات وراها،
لفت بسرعة. مفيش حد.
قلبها بدأ يدق، بس كملت، لحد ما سمعت حاجة مرعبة:

صوت ست بيقول:
يا رحــــــاب. مستنياكي من زمان.

رحاب جريت، بس رجلها اتلوت، وقعت على الأرض، وقبل ما تقوم، شافت قدامها باب بيت الست محاسن. مفتوح.

البنت اختفت بعدها، والبلد كلها اتقلبت،
الشرطة دخلت البيت تاني، ومافيش.
لا رحاب، ولا صوت، ولا أثر، بس لقوا حاجة واحدة.
كراسة رياضيات متقطعة، وعليها نقطة دم،
ومكتوب على آخر صفحة بخط مختلف:

أنا مش لوحدي هنا. البيت فيه أرواح، وفيه عهد لازم يتم، ورحاب مش أول واحدة. ومش هتكون الأخيرة.

بعدها بأسبوع، ظهر شخص غريب في البلد، شاب شكله غريب، اسمه نور الدين، بيقول إنه باحث في الظواهر الخارقة، وسمع عن قصة رحاب وبيت الست محاسن.

بدأ نور يدور ويسأل، والناس في البداية ضحكت عليه، لكن لما دخل البيت وخرج تاني يوم الصبح من غير خدش، بدأت الشائعات.

ناس قالت إنه ساحر، ناس قالت إنه لقى جثة محاسن جوه،
وناس تانية قالت إنه شاف رحاب لابسة فستان أبيض. وبتعيط.

بس نور قال جملة غريبة، خلت الكل ينهار من الرعب:
البيت مش ملعون. البيت مربوط، واللي مربوطة فيه. مش إنسانة

نور الدين كان مش زي أي باحث عادي.
ماكانش بيؤمن بالخرافات، لكنه بيؤمن إن فيه أبواب بينا وبين عالم تاني.
عالم مابيفهمش الرحمة، ولا بيعرف يعني إيه حدود.
أول ما دخل البيت، حط في جيبه ورقة مكتوب فيها آيات معينة، وجواه يقين إنه مش داخل بيت.
ده داخل فخ معمول بإتقان، معمول علشان يبتلع أي روح نقية تدخل.
زي رحاب.
في أول ليلة، نور سمع صراخ. بس مش عادي.
ده صړاخ ست كبيرة، وصوت طفل صغير بيعيط.
والصوتين جايين من قبو تحت الأرض ماكانش ظاهر قبل كده لأي حد.
نور نزل للقبو، ولقاه مليان تراب.
وفي آخره، كان فيه باب حديد قديم.
مكتوب عليه بخط باين إنه محفور في الحديد نفسه:
من يفتحه. يعقد العهد
نور بص حواليه، وقلبه بيقول له ارجع.
لكن حس بحاجة وراه، لف بسرعة.
ولقى رحاب واقفة، بس مش زي ما سمعوا عنها.
وشها شاحب، عينيها سودة بالكامل، وصوتها مش صوتها.
قالت له:
متفتحش يا نور. هتدخلنا كلنا الڼار
نور اتجمد، سحب الورقة اللي في جيبه وبدأ يقرأ.
لكن رحاب قربت منه وقالت له:
اللي جوه مش بېخاف من قرآنك. لأنك انت مش نضيف يا نور
هنا، نور وقع على الأرض، وهو بيهمس:
أنتي مش رحاب.
الكيان اللي قدامه ابتسم وقال:
أنا الست محاسن. ورحاب دلوقتي بقيت فيا. واللي جاي مفيهوش رجوع
وهنا هنقف ونرجع شوية بالزمن، وتعالوا نعرف. مين هي الست محاسن؟ وليه بيتها بقى مقپرة للأرواح.
من سنين بعيدة. قبل حتى ما يبقى اسم المكان كفر الدوار.
كانت فيه قرية صغيرة اسمها عِشش السّكوت.
القرية دي كان أهلها عايشين في صمت، لا بيعترضوا، لا بيتكلموا، ولا حتى بيحبوا الخير لبعض.
في قلب القرية، كان فيه بنت اسمها محاسن، يتيمة من وهي عندها 10 سنين.
عايشة لوحدها في بيت صغير ورثته عن جدتها، وكانت جدتها دي عَرافة.
بتشتغل مع الجن، وكانت بتستخدمهم علشان تخلي أهل القرية يسمعوا كلامها ويخافوا منها.
ولما جدتها ماټت، الكل قال:
الحمد لله الشړ راح.
لكن الحقيقة؟ الشړ كان لسه بيتربى. في قلب البنت الصغيرة.
محاسن لما كبرت، بقت أجمل واحدة في البلد، ووشها كان فيه حاجة تسحر.
بس كانت دايمًا صامتة، ساكتة، وعينيها فيها حاجة تخوف.
اللي مايعرفهوش الناس، إنها كانت بتكلم الكائنات اللي جدتها سابتها وراها.
كائنات من الجن السفلي. كانت بتسميهم عيلتها.
وفي يوم. واحد من شباب البلد حاول يعتدي عليها.
لكن محاسن ماصرختش، ما اشتكتش.
بس بعد يومين، لقوه مېت ومربوط في شجرة قدام بيتها.
ولسانه متقطع، وعنيه مش موجودة.
من اليوم ده، ماحدش قرب منها.
لكن البلد بدأت ټموت حتة حتة.
واحد يقع من فوق السطوح.
واحدة تولد وتفقد عقلها.
طفل يتكلم بصوت راجل كبير ويقول كلام مالوش معنى.
وفي وسط كل ده. محاسن كانت بتضحك.
لحد ما شيخ من بلد تانية اسمه سعدون جه مخصوص علشان يخلص القرية من شرها.
دخل البيت، وقعد معاها 3 أيام، ماطلعش، ماحدش سمع منه صوت.
وفي اليوم الرابع، سمعوا صړخة مدوية هزت القرية كلها.
ومن بعدها، البيت اتقفل، ومحاسن اختفت.
بس اللعڼة ما اختفتش.
البيت اتقفل، لكن كل جيل بيجي، لازم حد فيه يدخل البيت.
واللي يدخل، ما يخرجش هو هو.
الناس نسيت القصة، وبدأوا يسموه بيت الست محاسن.
لكن الحقيقة؟
هو مش بيتها.
هو سجنها. وسجن أي حد يدخل فيه.
نور دلوقتي جوه البيت، وعارف إنه مش بيواجه محاسن.
هو بيواجه شيء أقدم، وأقوى.
شيء كان مسجون، وبيتغذى على الأرواح.
نور، اللي دخل البيت وهو فاكر نفسه فاهم كل حاجة.
دلوقتي واقف قدام كيان مش طبيعي، كيان لابس وش رحاب، لكن عينه بتقول:
أنا حاجة تانية خالص.
الكيان بصله، وقال بصوت هادي جدًا، بس جواه چحيم:
تعرف يا نور. انت مش أول واحد يدخل ينقذ حد، بس الفرق إنك أول واحد فاهم إن البيت دا مش مجرد لعڼة، دا عقاپ. وانت دخلت برجليك.
نور شد الورقة اللي في جيبه وبدأ يقرأ، صوته بيرتعش.
بس الكيان ضحك، وقال له:
مش كل كلمة تنفع في كل أرض.
ودي أرضي أنا. مش أرضك.
وفجأة، الأرض بدأت تهتز تحت رجليه.
والحيطان نزلت منها ډم.
والأصوات ارتفعت. أصوات أطفال بيصرخوا.
ستات بټعيط.
ورجالة بتتكلم بلغات مش مفهومة.
نور وقع على ركبته، وبدأ يترجى:
فين رحاب؟! عملت فيها إيه؟!
رد الكيان بنظرة كلها خبث:
جوايا. بس في حتة صغيرة لسه بتقاوم.
لو عايزها. لازم تضحي.
نور:
أضحي بإيه؟
الكيان قرب وقال له:
بذكرياتك. كل حاجة بتفكرك إنك بني آدم.
أهلك، حبك الأول، مۏت أبوك.
كل لحظة بكيت فيها أو فرحت فيها.
هتاخد رحاب، وتفقد نفسك.
نور سكت لحظة، وبعدين رفع راسه وقال:
موافق.
وفجأة. سكون.
الصړاخ اختفى، الډم اختفى.
والبيت بقى فاضي.
لكن نور اختفى كمان.
وظهرت رحاب، ملقاة على الأرض، وعيونها بدأت ترجع لطبيعتها.
الناس لقوها تاني يوم، وافتكروا إن المعجزة حصلت.
بس في يوم، بعد سنين.
بنت صغيرة كانت بتلعب في الشارع قدام البيت.
بصت على الشباك، وصړخت بأعلى صوتها:
مامااااااااااااااااااا. الراجل اللي في الشباك ده بيعيط!
الناس جريوا.
شافوا شباك البيت.
ولقوا راجل. عينه مليانة حزن.
وكل اللي بيقوله بصوت واطي:
أنا أنا مين.
النهاية. أو يمكن، البداية؟
بقلمي سلمى محمد 
البيت اللي ما بيرجعش منه حد
#الدار المربوطة

تعليقات